Hûn Bi Xêr Hatin Malpera Xwe

22‏/02‏/2010

الكابتن أبو جودت في باب الحارة الشامية - الكابتن قاسم في قرى الدرباسية


سيامند إبراهيم

ما هي مقاييس العمل الفني الناجح؟ و كيف نستطيع أن نقيم بأن هذا العمل الدرامي ناجح أم فاشل؟ وما الذي جعلنا طوال شهر كامل متسمرين أمام التلفاز نترقب مجريات هذا المسلسل أو ذاك، لكن الملفت أن مسلسل باب الحارة كان هو الأكثر مشاهدة في العالم العربي، فبالإضافة إلى الدعاية ضخمة التي جرت له، ورصد له ميزانية كبيرة، لكن الواقع أن هذا المسلسل كان ناجحاً بكل المقاييس وخاصة في الأجزاء الأولى والثانية والثالث منه، وفي الجزء الرابع لم نرى شيئاً شد انتباهنا إلى بظهور الفنان (فايز قزق بدور مأمون بك) وظهور الموهبة القوية مصطفى الخاني- النمس)، وإن المتابع للجزء الرابع يلحظ منذ البداية ثمة الكثير من السلبيات في هذا العمل الدرامي، فغابت عن المسلسل قضايا هي أهم من قضايا بدر وزوجته المتسلطة، فلم نجد في المسلسل مثلاً حلقات الكتاتيب، ولم نجد إلاً بضعة أطفال محبوسين في بيوتهم، وأين دور الصحافة التي كانت لها الدور الكبير في مظاهرات الشعب السوري ضد الفرنسيين، ورغم الرقابة الفرنسية، وإغلاق الصحف الوطنية فقد سجن العشرات من الصحافيين السوريين في دمشق، ولم نشاهد أن واحداً منهم ذكر فيما يجري من أحداث في مركز المدينة، أو غيرها من الحوادث، وكثر في المسلسل نساء مثرثرات وحركة زائدة لهم، والمبالغة في وطنية أم جوزيف! وإقحامها في المسلسل لغايات أخرى لا نعرف السبب وراء ذلك! فالحاجة فاطمة من حي الأكراد كانت تشجع ابنها الثائر (احمد بارافي) الذي قتل ضابط كبير وجرح أثنين من الفرنسيين، وهو الذي رفع العلم السوري فوق البرلمان عندما جلت قوات الاحتلال الفرنسي من سوريا، وكانت هذه المرأة الكردية تمد ابنها بالذخيرة وتحثه على الصمود، حتى فر من الحي إلى خارجه.
والمشاهد لمسلسل باب الحارة وبالأخص للذي ركز على التمعن في شخصية أبو جودت رئيس المخفر في حارة الضبع، والتي هي بالأصل حارة كردية تقع بين الصالحية وحي الأكراد في دمشق، وشخصية أبو جودت الذي أدى دوره بحرفية عالية الفنان (زهير رمضان) راسماً صورة حية ومعبرة عن الرجل القمعي الظالم، الباحث دوماً عن مصالحه الشخصية بشتى الطرق، والغاية تبرر الوسيلة والبحث الدائم عن دسائس توقع الرعب في قلوب عناصره وهذا ما فعله بدقة متناهية الفنان (زهير رمضان أبو جودت) في مخفر باب الحارة الذي بث الرعب أيضاً في قلوب أهل الحي، وما تلقاه من رشاوى من وجهاء الحي، وأفعال هذه الشخصية، وهنا أتذكر الشاعر الراحل رياض الصالح حسين حيث يقول في ديوانه وعل في الغابة:
وبعد قليل سوف يأتي الشرطي
ويسألانه عن القبلة والقنبلة
وصورة ضابط الشرطة هذا في باب الحارة تتشابه بلحمها ودمها مع صورة الكابتن قاسم في الدرباسية أيام الاحتلال الفرنسي لسوريا، وللذين لايعرفون الكابتن قاسم فهو ضابط من بصرى الشام في حوران، ويعمل مع الفرنسيين شأنه شأن جميع الذين تعاونوا مع الفرنسيين وكمثل أهل حي الشريبشات على الاستقبال الحافل الذي قاموا به بفك حصان عربة غورو ووضعه جانباً، ووضعوا أنفسهم مكان الحصان، وجروا عربة الجنرال (غورو) من الربوة حتى دمشق والعراضات الشامية على قدم وساق تهتف لغورو ولفرنسا الحرة.
وكبار السن من أهل الدرباسية يذكرون الكابتن قاسم البصراوي الذي كان يجوب القرى الكردية في الدرباسية، ويأخذ السمن والجبن واللبن والأرزاق من أهل القرى عنوة، وتحت التهديد بالسجن وإلصاق أرخص التهم بهم، ويروى أنه كان يسير في سوق الدرباسية، ويضرب ميزان بائع الخضرة هذا، ويرفس ذاك الرجل البسيط الذي يبيع اللبن أو الخضار، وهو لا يعرف السكينة ليلاً نهاراً، كما قال الشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم:
دورية البوليس لا تنام
ما فتئت تبحر في مستنقع الظلام
تجوس كل قرية.. تطرق كل باب
وتنكت العتمة في الأزقة السوداء
وهذا ما كان يفعله هذا الكابتن اللعين بالضبط فقد كان يدخل دور الذين يوالون فرنسا أيضاً ويأخذ راحته وكأنه في بيته، لكن المشين في سيرة هذا الحوراني العميل أنه في دورياته يجبر بعض الرجال الشرفاء على ارتكاب الموبقات مع الأنعام لكي يشبع غريزته في فن الإذلال والتعذيب النفسي للبشر؟! ويروى عنه أشياء نخجل من كتابتها واستذكار أبناء قرى الدرباسية من أفعاله الكريهة والتي يندى لها جبين الإنسانية. (1)
ولابد هنا من القول إن أبو جودت كان راقياً ومحترماً وأرحم من الكابتن قاسم الحوراني الذي اخترق المجتمع الجزراوي آنذاك، لكن الواقع الحالي لا يختلف عن ذاك العهد، فقد قدّم أبو جودت صورة بانورامية عن رجل الشرطة التاريخي من حيث العنجهية، والفساد، والشك في كل الناس، والانتهازي، مع قليل من الكوميديا والسذاجة، وأخيراً لابد من ملاحظة أن مجريات مخفر باب الحارة هي صورة بانورامية للفساد المستشري في الأنظمة الشمولية، وهي نسخة طبق الأصل ولا فرق يذكر بين المخفرين الفرنسي والعربي حاضراً، والصورة واحدة لا تنفصل عراها عن الأخرى.
ولابد من القول بأن مسلسل باب الحارة مفصل بحرفية بحيث لا يستطيع أي رقيب أن يجد ثغرات في النقد السياسي ليحذف بعض المشاهد، وثمة حوادث جرت في حارات دمشق هي أرقى من هذه المبالغة في شهامة هذا العقيد، أو ذاك الوجيه الذي التف حوله البسطاء من الناس؟

(1) – أحاديث لشخصيات كبيرة الدرباسية في السن لازالت على قيد الحياة.

siyamendbrahim@gmail.com

ليست هناك تعليقات: