Hûn Bi Xêr Hatin Malpera Xwe

25‏/02‏/2010

من الدرباسية( 1/ 12) -الرفش الألماني وخزائن شِركِ





خالد عيسى


--------------------------------------------------------------------------------


نتيجة لرسم الحدود السورية-التركية، انقسمت العشائر والعائلات الكردية وممتلكاتها على طرفي الحدود. فكانت قريتا خَرابلمِ وشِركِ تابعتين للسلطات الإدارية لولاية ماردين العثمانية. وبعد رسم الحدود، أصبحت القرية الأولى ضمن حدود الدولة التركية (سه ر خه ت)، بينما أصبحت الثانية ضمن حدود الدولة السورية (بن خه ت).

وهكذا بقي محمد أمين شيخو و بعضاً من أقربائه في قرى شِركِ و دَليكِ ومَلَك، وقرى أخرى حوالي الدرباسية، وأصبحوا من رعايا الدولة السورية في البداية، وتم تجريدهم من حق المواطنة فيما بعد. بقي أغلب أقربائه من قبيلة السينكان الكردية في خَرابلمِِِ، وفي عموم مناطق باراڤا، ولا تعترف بهم السلطات التركية إلا كأتراك تابعين. تبعد قرية خَرابلمِِ حوالي ثلاثين كيلو مترا عن الحدود مع سورية.
-1-
رغم الحدود المحروسة عسكرياً، ورغم حقل الألغام الفاصل بين المنطقتين الكرديتين في تركية و سورية، كان يحاول الأقرباء و الأحبة التواصل، وتبادل الزيارات بموافقة السلطات أو بدونها. و كان يقامر بعضهم بروحه لكسب العيش عن طريق المتاجرة على طرفي الحدود.

يحكى أن أحد أقرباء محمد أمين شيخو جاء من قرية خَرابلمِ لزيارتهم في شِركِ و دَليكِ ومَلَك، و أثناء هده الزيارة اقترحت زهرة، خالة محمد أمين على قريبها الزائر أن يتاجر عبر الحدود (تهريب) بالرفوش الألمانية، و أنها هي التي ستتكفل بتسويقها. بينما اقترح محمد أمين على قريبه الاتجار بالتبغ الخرسي ذات الصيت والسمعة.

يبدو أن الرفوش الألمانية كانت قد تركت سمعة حسنة لدى أهالي هذه المنطقة منذ أن كان العمال يستخدمونها في إنشاء الخطوط الحديدية, التي أصبحت فيما بعد الحدود الدولية الرسمية, هذه الحدود التي فصلت بين الأقرباء في شِركِ و دَليكِ ومَلَك من جهة، و في خَرابلمِ من جهة أخرى.

بعد أن عاد الزائر إلى أهله في خَرابلمِ ، أعد حملة من الرفوش الألمانية، و حمّلها على ظهر حماره ، واتجه به إلى مَلَك، محاولاً الجمع بين الزيارة و التجارة في هذه المرة.
بعد عناء و خوف شديدين، تمكن القريب(الزائر-التاجر-المهرب) من اختراق حقل الألغام ليلاً، ووصل إلى قرية مَلَك، وحلّ ضيفاً في بيت زهره, خالة محمد أمين.
كانت فرحة الخالة مضاعفة في هذه المرة، لأن قريبها قد سمع نصيحتها, و خاصة وأنه أهداها في هذه الزيارة رفشاً ألمانياً من حمولته. بينما في المرة السابقة، لم يكن معه من الهدايا سوى قليل من الدخان و الباستيق و البَنّي والقضامة المحمًصة.

في حين كان محمد أمين ينتظر بشوق وصول حمولة من التبغ الخرسي. و كان قد وعد بعض مقربيه بما كانت تتوق إليه نفسه, فقد خاب أمله. لكن أصرً عليه القريب مشاركته في التبغ الذي كان قد جلبه لنفسه.

بعد عدة أيام، بدأ الخوف يخّيم على الجميع، فكلما مرت سيارة في القرية، ظنوا أن الحكومة قد سمعت بصفقة الرفشات الألمانية، وأن الخالة زهرة تحوي في دارها مهرباً غريباً. وكانت مواضيع السهرات تدور حول المصير الذي يمكن أن يلقاه من يأوي الأجانب (المهربين) القادمين من سه ر خَتِ (تركية)، وأصبحت الحالة لا تطاق من القلق والهلع.

أمّا على الصعيد التجاري، فسرعان ما خاب أمل القريب الزائر، إذ تبين بأن الرفش الوحيد الذي نقص عن حمولة حماره، كان الرفش الذي أهداه إلى الخالة زهره. فجيران الخالة كانوا يعرفون بأن الخالة ستعيرهم رفشها الألماني عند اللزوم، و لا داعي لشرائه. فهم القريب بأن زيارته تحققت و سعادة الخالة كانت كبيرة، لكن التجارة أخفقت. ولم تكن خيبة محمد أمين أقلَ من خيبة قريبه, وأصبح يعاتب خالته على نصيحتها التي أدت إلى الخسارة والكآبة.

بعد عدة أيام من التأفف و الندم وكثرة التدخين، والمعاتبات والملاسنات المتبادلة بين محمد أمين وخالته، استعد القريب للعودة مع حماره و رفوشه إلى خَرابلمِ عبر الحدود، استودع الجميع، و قبل عيون الصغار و أيادي الكبار في شِركِ و دَليكِ ومَلَك.

لم يتمكن القريب من شراء بضاعة جديدة, كما كان يحلم، أو جلب الهدايا الكثيرة لأولاده في خَرابلمِِ, كما كان يأمل. فلم يكن حمل الحمار قد خف إلا بمقدار رفش واحد، وكان هذا الرفش قد أُعطى كهدية، ، ولم يكن لدى القريب ما يشتري به السلع و الهدايا. ولم يكن باستطاعة الحمار حمل أكثر من حمله. ومع ذلك تعهد القريب بنقل الحمولات من التحيات والقبلات إلى الجميع في بلاد سه ر ختِ (فوق الخط).

كان القريب حزيناً على مفارقته للأهل ، لكن كان حزنه أكبراً على فشله في تجارة الرفوش, وكان يدور في رأسه ألف فكرة وفكرة حول كيفية تصريف هذه الرفوش في حال عودته إلى خَرابلمِِ بسلامة.


شد الرحيل في ليلة قاتمة السواد. و نحو حقل الألغام، إلى ما وراء سكة القطار، انطلق القريب الكئيب مع حماره المثقل بالرفوش والدعاءات و السلامات.

وقبل أن يفارقه محمد أمين على أطراف القرية، نصحه مرة أخرى، بأن يجلب معه في المرة القادمة حملاً من دخان الخرس الذي يفضله أغلب المدخنين، وكرر له بأنه هو الذي سيتكفل بتسويقه.

انقطعت عن أهالي بنخه تِ أخبار القريب وتجارته. وعندما زرت خرابلِم عام 1970، لم أكن قد سمعت بعد بهذه القصة، ولذلك فاتت عليّ فرصة السؤال عن مصير تاجر الرفوش الألمانية.

أمّا محمد أمين، فقد استمر في تدخين التبغ الخرسي خلسة من أعين القولﮁية (شرطة إدارة حصر التبغ) ومخبريهم. ومن أجل الحصول على هذا النوع من التبغ، بقي يعتمد على صداقته مع تاجر(مهرب) التبغ حج خلف لالاني وغيره من أصحاب الثقة.

وعلى خلفية الاختلاف في وجهات النظر, وخاصة فيما يتعلق بالتخطيط و الإدارة والتسويق في صفقة الرفوش الألمانية، أشتد الخلاف بين محمد أمين شيخو وخالته زهرة، إلى درجة القطيعة. ولولا خزينة شِركِ لما عادت الأمور إلى مجاريها بسهولة.

فبينما كان محمد أمين شيخو ممتداً على الحصيرة، في منزله في دَليكِ، وكان قد زال من الليل قرابة نصفه، دخل عليه المطبب الشعبي الصوفي إبراهيم, وفاتحه بكل سرّية موضوع خزينة شِركِ، وكيفية اقتنائها.

وفي الحلقة القادمة سنبحث شراكة المرحوم محمد أمين شيخو مع صاحبه صوفي ابراهيم، وسنوضح دور الرفش الألماني في صفقة خزينة شِركِ.

ليست هناك تعليقات: