Hûn Bi Xêr Hatin Malpera Xwe

05‏/02‏/2010

الصــندل - وزنة حامد





الشاحنات متراصة خلف بعضها , السائقون بانتظار أدوار سياراتهم , خبراء مكتب الحبوب يتنقلون برشاقة بين السيارة والأخرى , أقلام التجريم في أيديهم تثقب الأكياس , يتسرب القمح عبر القلم , يحمل احدهم كيسا فارغاً ليملئ ما تسرب من القلم , العتالة في ضجيج , أشعة الشمس تلهب الوجوه , العرق متصبب من الجسد , الشمس حرنت في قبتها تحدياً لسرعة الإنسان , ارتفع صوت محمود :

- يا الله يا شباب أسرعوا لتفريغ الشاحنة , أمامنا ثلاثون شاحنة أخرى ,

رد ابن عطية هذا العتال القوي :

- إن شاء الله ألف شاحنة , لسنا على الكهرباء أو على النار .

- صحيح ولكن غداً العيد وعلينا الإسراع لشراء حاجات البيت أما العتال علي مسح جبينه , تذكر ابنته وهي تطالبه بشراء صندل لها , ثلاثة أيام وهو ينتظر ليعمل مع ورشة , العتالة بازدحام حتى إنهم جاؤوا من بلاد بعيدة بعض الشيء صعد الحمالون ظهر الشاحنة الطويلة ( اسكانيا ) , وراح كل يحملوا على ظهره كيسا ويسرع به فرحا سعيداً , العمل لا يزيد عن ثلاث ساعات وتنتهي الأمور وتقف عجلة العمل ويذهب كل واحد لداره , لتناول الطعام والقيلولة , وعند العصر سيستمح الحمالة ثم يذهب برفقة عائلته إلى السوق التي ازدحمت في مثل هذه الأيام , أيام العيد , انزل الكيس عن ظهره , عاد لكيس الثاني , العتالة كالنمل على المصعد الخشبي , كل يحمل ويفرغ في موقع أخر على الأرض , حمل عليّ الكيس , عدا به, وارتفع غناء عتال عجوز لكنه يراوغ الحياة على لقمة عيشه , لم يستسلم للشيخوخة , روحه تقاوم التخاذل والكسل , حبات من القمح تتناثر من ثقب كيس . يصرخ أمر العتالة :

- انتبه الكيس مثقوب .

عليّ لا يلتفت إليه , انه يفكر في الخلاص وصندل ابنته الأحمر الذي يشتريه اليوم , العرق يزداد أكثر , يسري من رقبة العتالة حتى مؤخرتهم , ترى هل يعرق الحمار تحت حمل ثقيل .. ؟! لا ندري , لا يهم غدا العيد وسيتناول كل عتال أكثر من الأيام السابقة أجرته , عب علي كأسا من الماء البارد , صعد السلم لينحني ظهره باستقبال الكيس , حمله بهدوء مشى به سريعا , السلم الخشبي تحت رجليه يهتز , أحس بصداع يلف رأسه لا يهم , سيسقط الكيس بكل سهولة , الطبيب قال له : إن صداعك يا علي ( شقيقة ) حاول الاتزان أكثر فوق السلم , انه شمشون الجبار يحمل أكياس من الملح فوق ظهره , كل ما يسعى إليه الوصول إلى ارض السلم ليسقط الكيس , بيدا المسافة كانت بعيدة , غابت الرؤية أمام ناظريه , ترنح , اهتز مال عن طريق السلم الخشبي , سقط ... و .. و سقط الكيس فوقه , اسكت آخر نفس لعلي , قال احد لرفاقه :

- انه لا يتناول أي وجبة , لقد اغميه عليه من الجوع .

رد أخر

- الطمع ضر وما نفع ..

جاء مسؤول العتالة وبسخرية رفع رأس علي عن الأرض وقال :

- عيب يا رجل كل يوم لك فلم جديد , وأسلوب جديد .. قم .. قم .

علي لم يجب , وكانت عيناه جاحظتان تلعن الدنيا التي تحول الإنسان إلى حمار ولا يستطيع حتى الاعتراض على فحيح الجوع , حمل العتالة رفيقهم علي جثة حامدة وبدل أن يسيروا به إلى الطبيب ساروا به إلى البيت لأنه فارق الدنيا ومن عليها , والقي على وجهه غطاء ابيض , لكن ابنته حين اخبرها بعودة والدها , أسرعت بعمرها الوردي عشر سنوات وهي تكشف الغطاء عن وجه أبيها ناهرة باكية ساخرة آمرة :

- قم لا تدعي النوم غدا العيد واشتري لي الصندل .

ليست هناك تعليقات: