Hûn Bi Xêr Hatin Malpera Xwe

23‏/02‏/2010

موهبة من الدرباسية: الراحل عبد غزيم






«تقولون "الوقت يمضي" آه .. لا .. الوقت يبقى ونحن نمضي، الحياة ميدان كفاح وعمل، فمن عمل صالحا ظفر بالمجد والخلود، كم من العلماء والعظماء طواهم الثرى، وبليت أجسادهم ودرست قبورهم.

ولكن تعاليمهم وعلومهم وثمرات أفكارهم تجسدهم أحياء وتخلدهم على مر السنين في رؤوس الفنانين والموهوبين وكم من المؤلفات خلفها فلاسفة ومفكرون وشعراء ورسامون وفنانون.

بقيت لتشهد على عبقريتهم، ونمو أفكارهم، وجعلتهم في كل قلب وعلى كل لسان. ليست الشهرة مقياساً للمجد, فقد يكون شخص ما مشهورا في حياته, ثم ينساه الناس, والمجد الحقيقي هو الذي لا يسعى صاحبه إليه ولا يبحث عنه وإنما يفيض عطاء ويعمل بلا كلل دون أن ينتظر من أحد جزاء ولا شكورا فالأشخاص العظماء يسطرون مجد تاريخهم بما قدموا, وقيمة المرء لا تكمن فيما يبلغه, ولكن فيما يروم بلوغه».هكذا وصفه الفنان والكاتب المسرحي " داريوس داري". انه الفنان والخطاط "عبد غزيم" الذي تحدث لـ eHasakeh عنه السيد "جمعة خزيم" الإعلامي والصحفي عند لقائه به بتاريخ 8/9/2008. ويضيف "جمعة" وقد كان فناننا الموهوب: «"عبد" من هذه النوعية التي تعمل في صمت وكفاه أجراً أن ترى عمله يعيد لأمته حيوية ثقافتها، فكان غزير الإنتاج متنوع المواهب والاهتمامات اتعب معاصريه في ملاحقة نتاجه الذي تخطى كما هائلاً من الخط و اللوحات وأجمل اللافتات التي كانت تزين العاصمة دمشق».

هنالك مبدعون يكتفون بوضع عبقريتهم في إنتاجهم .. وهنالك آخرون يصرون على التضحية بحياتهم أيضا بنفس العبقرية. فيتركون

لنا سيرة وأعمالا خالدة غير قابلة للتكرار. إن الفنان التشكيلي "عبد الخالق" المشهورة بـ" عبد" الذي لم يأخذ فرصته من الحياة ليفجر طاقته الإبداعية حين خطفه الموت باكرا وهو في أوج عطائه.

ويحدثنا "جمعة" عن حياته فيقول: «سرعان ماتوفيت والدته، ليدفعه القدر ليكون حمال سلة في سوق المدينة محروم من التعليم والدراسة مع انه كان متفوقا في المدرسة. وكان يحب كرة القدم وبالأخص حارس المرمى، استدعي إلى الخدمة العسكرية التي كانت بالنسبة له طوق نجاة وبابا إلى الحرية والبحث عن ذاته، أعد حقيبة سفره...وضع فيها ملابسه البالية والكثير من الدموع .. ودع قبر أمه الحنون، حيث استقر في دمشق وبدأ رحلته القصيرة مع الريشة والألوان».

أما موهبته فقد امتلك "عبد" موهبة كبيرة كما وصفها "جمعة" فهي: «موهبة بارعة في تشكيل الخط العربي وكثيرا ماحول الأحرف والكلمات إلى لوحات تعبيرية لا تخلو من حرف "س" الذي كان سرا من أسراره, والى جانب الخط كان ماهراً في رسم اللوحات التشكيلية...ونتيجة لموهبته ومهارته ودماثة خلقه أصبح مشهورا في الوسط الفني بالعاصمة "دمشق" فأحبه كبار الممثلين والمطربين.

فقد كان الممثل "دريد لحام" يتفاءل كثيرا بـ"عبد" ويطلب منه مرافقته إلى المحافظات ليخطط له لافتات لعرض مسرحياته.

أما المطرب المشهور "صباح فخري"
فكان يطلب من "عبد" أن يخطط اللافتات لحفلاته المحلية والعربية والأجنبية.

والى جانب صداقته المتينة لكل من الفنان التشكيلي "خليل عبد القادر","عناية عطار" و"رشيد صوفي" وغيرهم من الفنانين والفنانات».

بدأ "عبد" يشق طريقه نحو سلم الإبداع ويثير انتباه الوسط الفني فسارعت مجلة "فنون" مجلة الإذاعة والتلفزيون إلى إعداد لقاء معه... وفي عام (1993) فاز بجائزة مهرجان المحبة والسلام. وكان خيمة مفتوحة لأبناء الجزيرة يحتضنهم دون استثناء ويساعدهم ويسهل أمورهم في العاصمة، بقي "عبد" مشروع حب وعطاء حتى استبد به مرض داخلي عضال فأدخل المشفى وأجريت له عملية جراحية غير ناجحة فبقي فيها طريح الفراش لمدة أكثر من ثلاثة أشهر، عاده خلالها الكثير من أحبائه وأصدقائه والفنانين. وفي زيارة له قال الفنان: "سعيد يوسف" أمير العزف على البزق: «تعرف يا "عبد" لو قدر لي أن أشفيك من هذا المرض فأنني أقدم جميع أبنائي فداءً لك» ... هي الحياة هكذا تتسع أمام ضيقي الأفق فتعطيهم أكثر مما يستحقون وتضيق أمام من لا حدود لأفقه لتأخذ منه راحة نفسه ثم تأخذ روحه.

ويختم "جمعة" حديثه عن "عبد": «وحسب علاقتي الشخصية بالراحل "عبد" لو قيض له أن يعيش عمره كاملاً لكان اليوم من كبار

الفنانين التشكيلين الذين عرفتهم سورية، وكان
له رأي ومذهب في التشكيل الفني وبالخط العربي ولو أعطاه الموت فرصة لربما أبدع جنسا جديدا في ميدان الفن التشكيلي فكان موته خسارة للفن, والجمال, والإبداع». شجرة ملونة سقطت قبل أن تنضج ثمارها السحرية، وأي سحر أجمل من لوحة توحد العالم بنظره. وتكريما له دفن الفنان "عبد" في مقابر الشهداء بمدينة "عاموده" علماً أنه من مواليد "الدرباسية" (1953) في محافظة الحسكة.

ليست هناك تعليقات: