Hûn Bi Xêr Hatin Malpera Xwe

02‏/03‏/2010

سينما الزهراء في الدرباسية

لقمان ديركي


سينما فؤاد

سينما الزهراء


بعضهم يقول إن اسمها سينما فؤاد, و البعض الآخر يؤكد أن اسمها سينما الزهراء , حتى صاحب السينما نفسه سليم سبتي قال لي إن اسمها سينما فؤاد، لكن ابنه بدوان قال: سينما الزهراء. و ندما تستمع جيداً ستتأكد أنها كانت سينما فؤاد في الخمسينات وسينما الزهراء في السبعينات نظراً لكون الجيل القديم يصر على اسم فؤاد بمن فيهم صاحب السينما بينما يصر الجيل الجديد على اسم الزهراء بمن فيهم ابن صاحب السينما.


ولكن هناك معلومة أخرى تفيد بأن سينما فؤاد هو اسم السينما الشتوية بينما سينما الزهراء هي السينما الصيفية بينما يقول آخرون إن السينما التي أنشأها جليل قره زيوان قرب صوامع الحبوب "الميرا" هي سينما فؤاد وإأن السينما التي أسسها شكري مرجة قرب البلدية هي سينما الزهراء، و قد شارك فيها سليم سبتي و نقلها إلى فناء منزله في السبعينات لتصبح السينما الصيفية الوحيدة هناك .. في الدرباسية، تلك البلدة الشمالية التي لا يفصلها عن تركيا سوى حديد القطار .


في البداية شارك سليم سبتي عائلة لوله، وهم أصحاب سينما فؤاد في القامشلي و من ثم استقل بنفسه واستعار من بلدة عامودة القريبة رجل التشغيل" قيا" كي يشغل الأفلام بعد أن احترقت سينما عامودة في عرض سينمائي للأطفال مات معظمهم اختناقاً و احتراقاً، وتحركت السينما في الدرباسية بين عامي 1954 و1958 أي إنها توقفت عام 1958مع بزوغ شمس الوحدة , وظلت السينما مهجورة لتعود بقوة عام 1970وتستمر حتى عام 1978مفسحة المجال لجهاز التلفزيون الذي أصبح متوفراً في بعض البيوت، وأضحى الذهاب إلى السينما غير ضروري بالنسبة إلى معظم عائلات الدرباسية .


كنت في الرابعة من عمري عندما دخلت السينما للمرة الأولى، وشاهدت فيلماً حربياً عن بطولات الشعب الجزائري قالوا لي فيما بعد انه فيلم " جميلة بوحيرد", و تأكدت من ذلك عندما سميت المدرسة الابتدائية في الدرباسية على اسم البطلة بعد عرض الفيلم مباشرة ليبدأ فصل من عصر السينما في ذلك المكان البعيد والبهيج و الموحش .


كانت سينما الزهراء الصيفية كما يسميها أبناء جيلي مكونة من جدار كبير دهن باللون الأبيض ليكون الشاشة الأولى التي أدمنّا التسمر أمامها , و من مدرج إسمنتي مقسم إلى قسمين: رعاع و عائلات , وكنا نفضل الجلوس في قسم الرعاع بعيداً عن أهالينا الجالسين في قسم العائلات أو" اللوج" كما تسميه مصطلحات سليم السينمائية , و كان هناك منزلان خلف المدرج مباشرة، أحد هما لصاحب السينما نفسه و يتم استخدام سطحه في أوقات الزحام الشديد لكي تجلس العائلات عليه و تشاهد الفيلم. أما السطح الآخر، فكان صاحبه يؤجره للرعاع كي يشاهدوا الفيلم من عليه بربع التسعيرة النظامية.


و بعد أن تعلم يوسف برجس تفاصيل تشغيل الفيلم السينمائي من" قيا" أصبح الآمر الناهي في تلك الغرفة الصغيرة، فهو صاحب القرار النهائي في توقيت عرض الفيلم و إطفاء الأنوار حتى لو كان هناك بعض الرعاع المتأخرين أمام الباب, و كان هذا الأمر يسبب بعض المشاكل الصغيرة لصاحب السينما الجالس على الصندوق أمام باب السينما , فقد كانت النقود التي تدفع في لحظات إطفاء الأنوار إما تركية أو قطع معدنية بحجم الربع ليرة لا قيمة لها أبداً .


و على الرغم من أنّ يوسف هو الآمر الناهي، فان حمادة كان نجم السينما في ذلك المكان و معبود النساء و المراهقين , و حمادة هو المسؤول عن تعليق الصور و الإعلانات , وهو الذي يقف أمام الباب لإدخال الجمهور، و هو الذي يظهر في الحملات الإعلانية للأفلام .


يذهب حمادة إلى القامشلي لجلب الفيلم المتفق عليه،


وهناك يشاهد الفيلم و يتأخر يومين قبل القدوم إلى الدرباسية ومعه الفيلم الجديد , و سبب تأخره هو أنه بعد مشاهدة الفيلم يذهب إلى الحلاق و يصنع لنفسه تسريحة مطابقة تماماً لتسريحة البطل , و يشذب شاربيه كشاربي البطل , فإذا كان البطل دون شوارب يحلق شواربه أيضاً , ثم يذهب إلى الخياط و يفصل لنفسه طقماً كطقم البطل تماماً و يشتري من الباله قميصاً مطابقاً لقميص البطل , و اذا اضطره الأم إلى لشراء خواتم أو سلاسل شبه ذهبية، فانه يفعل ذلك، ويعود الينا نسخة مطابقة مائة بالمائة لشامي كابور أو دارا مندارا أو بروس لي أو فريد شوقي أو جوليانوجيما...الخ من قائمة نجوم تلك الأيام , و فور عودته إلى الدرباسية يجهز نفسه و يظهر في حملته الإعلانية الأولى التي تستهدف شوارع الدرباسية عصراً.


عادة في عصر كل يوم تجلس نساء الدرباسية أمام أبواب بيوتهن على كراسي القش الصغيرة لشرب الشاي و تبادل آخر الأخبار المحلية , أي الدسائس و النمائم . و في غمرة انهماك النسوة بتحليل آخر دسيسة يظهر حمادة، فتتوقف قلوب النساء عن الخفقان، وترتجف كؤوس الشاي في أيدي الفتيات المراهقات .


يمشي حمادة بثياب البطل الجديد و تسريحته وحذائه وهو يفتعل حركات معينة و يثبت لثانيتين مشكلاً " بوزاً " ذا وقع خرافي على قلوب العذارى , ويمشي خلفه ثلاثة أشخاص: عبودة حارس مرمى الدرباسية الذي يحمل طبلاً وينادي، وسراج و نصرت اللذان يحملان لافتة كبيرة عليها بوستر الفيلم و صور منه , فإذا كانت الفتيات الجالسات أمام أبواب بيوتهن جميلات، فإن حمادة كان يبطئ من حركته بشكل رهيب و هو يتلفت بخيلاء الطاووس يميناً و شمالاً , مما يضطر من وراءه إلى إبطاء حركتهم أيضاً و كذلك النداء فينادي عبودة على البطيء :" سينما... ال..ز.. ه.. راء.. تقدم.. أح..سن.. فيلم .. ف..ي ال..عالم.. الزهرة... و الح..جر..لا تدعوا.. الفر...صة....تفو....تكم...." .


أما اذا كانت الفتيات من النوع العادي، فان سرعة حمادة كانت تصبح عادية، وكان النداء خلفه يصبح عادياً أيضاً.


وفي حال وجود فتيات بشعات، فإن حمادة كان يتخلى عن وقاره و يركض مسرعاًُ كأنه عدّاء، و يختفي في أول شارع يميناً أو يساراً و خلفه رجال إعلامه الثلاثة و صوت عبودة اللاهث وهو يصرخ :" سينما الزهراء تقدم أحسن فيلم في العالم الزهرة و الحجر لا تدعوا الفرصة تفوتكم".


و من تقاليد الحملة الإعلانية أن يتوقف حاملاً البوستر لإتاحة الفرصة للنسوة كي يتفرجن على الصور بينما يقف حمادة بعيداً عنهما منتظراً انتهاء النسوة من فرجتهن و تعليقاتهن على الصور , وإذا حدث و كانت هناك صور خليعة، فان وجهي حاملي اللافتة يمتلآن ببصاق النسوة الغاضبات مع عبارات من قبيل " انقلعا من هنا ... قلة أدب.... حيوانات ...أولاد قحبة.. الخ" . و كان ممنوعاً على حاملي اللافتة إبداء أي ردة فعل و الاكتفاء بالانصياع الكامل لحالات الجماهير في أوقات الدوام الرسمي ... لأن الشغل شغل , و هكذا كان حاملا اللافتة يعودان في الصباح في جولة رد اعتبار شخصية خارج أوقات الدوام الإعلاني وهما يشتمان كل من بصق عليهما و شتمتهما في عصر اليوم الفائت " الخ".


وكان آباء و أزواج تلك النسوة و الفتيات يتقبلون هذه المعارك لأن البادئ أظلم و هم قوم عادلون .


و قبل الغروب بنصف ساعة يبدأ الغليان لأن الفيلم يبدأ بعد الغروب مباشرة, فالسينما بلا سقف , و يبدأ الجمهور بالدخول إلى السينما , العائلات على الدرجات الثلاث الأخيرة و باقي الصالة للرعاع . و ما إن تمتلئ الدرجات الثلاث حتى يبدأ سليمو باستخدام سطح منزله للعائلات الطارئة التي لم تحجز مسبقاً . كنا ندخل بنصف ليرة ،كما كان يمكن أن ندخل بأنواع أخرى من العملات مثل البيض و الدجاج و الديكة الرومية و البط و البطيخ و الخراف حتى , فهذا يدخل إلى السينما بخمس بيضات بلدية سرقها من تحت احدى الدجاجات الرومانسيات , و ذاك و قد حمل بطيختين مسروقتين من بساتين القابلة غير القانونية عالية , و آخر يد خل بقطعة قماش جوخ إنكليزي أصلي هو وأربعة من أصدقائه بعد أن استغنى عن تفصيل طقم جديد للعيد , و مختار قرية " كربتلي" يدخل ثلاثين فقيراً إلى السينما بخاروف العيد الذي كان سيذبحه و يوزعه عليهم أنفسهم، ولكنهم أقنعوه بأن إدخالهم إلى السينما هو زكاة أيضاً على الرغم من أن الصوفي " غريبو " لم يفتِ في هذا الأمر إطلاقاً, و لكنه عاد و حلل ذلك بعد أن حضر احدى الأفلام الأمريكية التي يظهر فيها بابا نويل ذو اللحية البيضاء التي تشبه لحيته. و كم كان مزهواً بنفسه عندما صرخ الجمهور بصوت واحد: " صوفي غريبو " و هم يشيرون إلى بابا نويل الأمريكي , لذلك كان طبيعياً أن تختلط أصوات الدجاج و الديكة و الخواريف و هي تتراكض أمام الجمهور في فناء السينما الواسع وسط محاولات حمادة اليائسة في اعادتها إلى الركن المخصص لها ألا وهو حظيرة السينما.


و ما إن يبدأ الفيلم حتى تتعالى الصرخات بعد أن يكون حمادة قد ألقى كلمته الشهيرة قبل كل عرض " الرجاء عدم اطلاق النار على الشاشة لأن الأشرار لن يموتوا حتى لو أطلقنا المدافع عليهم". ونفهم من كلمته أن اطلاق النار مسموح على أهداف أخرى غير الشاشة، وبالطبع فإن الجمهور لا يرتدع بل ولا يفهم ما قاله حمادة لأنهم سرعان ما يشهرون بنادقهم ومسدساتهم عند كل ظهور لعدو البطل, وقد أصيب توفيق الدقن لوحده بأكثر من ألفي طلقة عن مجمل أفلامه . أما عادل أدهم، فقد أصيب بحوالي الألف وخمسمائة طلقة، و كذلك الأمر بالنسبة لأعداء بروس لي و شامي كابور ودارا مندارا وجوليانو جيما , ومن الغريب أن بروس لي أصيب عدة مرات بعد أن خربطوا بينه وبين عدوه الشرير " كون الصينيين يشبه بعضهم بعضاً إلى درجة رهيبة" كما صرح واحد ممن أطلقوا عليه النار بعد أن سمع أحدهم يصرخ فيه منبهاً:" هذا بروس لي يا حمار", وحدث ان اصيبت ناديا لطفي في فيلم " أبي فوق الشجرة" بطلقٍ ناري من مسدس أحد المهوسين بمرفت أمين, كما أصيب عبد السلام النابلسي خطأً بعد أن ظنه أحدهم شريراً و عدواً لعبد الحليم حافظ , و كان طبيعياً أن تكون هناك ورشة عمل صباحاً لترميم الشاشة و اعادة طلائها من جديد .


ولايعدم قليلو النقود الحيلة، فهم يحجزون أماكنهم بعشرة قروش فقط على سطح أوسمانو المطل على الشاشة , و عادة ما يمتلئ هذا السطح قبل أن يدخل أول شخص إلى الصالة بشكل رسمي , وبعد بداية الفيلم يمكن لأي عابر أن يلمح أربعة طوابير واقفة بانتظام, وبعد مرور ربع ساعة من بداية الفيلم يدخل الطابور الأول، وهم الذين دفعوا خمساً وثلاثين قرشاً فقط,، وبعد مرور نصف ساعة يدخل الذين دفعوا ربع ليرة فقط, وعند انتصاف الفيلم، يدخل الذين دفعوا خمسة عشر قرشاً فقط, و قبل نهاية الفيلم بربع ساعة يدخل الطابور الأخير ومعظمهم من الأطفال الأبرياء وقد دفعوا خمسة قروش فقط لا غير , و في اليوم التالي يعود من شاهد النصف الأول من الفيلم لمشاهدة النصف الثاني ومن شاهد ربعه الأخير لمشاهدة ربعه الأول, وهكذا فان هناك أشخاصاً يجب أن يخرجوا من السينما في أوقات محددة حسب النقود التي دفعوها, وكان حمادة يحفظ وجوههم غيباً و يبحث عنهم أثناء عرض الفيلم بواسطة بيل يدوي يوجهه إلى وجوه المشاهدين المتذمرين حتى يقبض على الجاني و يرميه خارجاً بدون رحمة,و عادة ما كان الجمهور النظامي يدل على الخارجين على القانون كي يتفرجوا على الفيلم بدون ازعاجات , وحدث مرة أن أمتلأ سطح أوسمانو بالجماهير بينما بقيت السينما خالية تماماً، فقرر يوسف أن لا يعرض الفيلم خاصة وأن صندوق السينما لم يدخله قرش واحد، ولكن سليمو رفض ذلك، وأمر بتشغيل الفيلم لأن الجمهور جمهور حتى لو دفع نقوده للجيران، وكان هذا أول تأسيس لأول تقليد يقضي بعرض الفيلم في وقته المحدد حتى ولو لم يكن هناك جمهور.


ومع ذلك فقد تم اختراق هذا التقليد عدة مرات , فكان عرض الفيلم يتأخر في المرات التي يحجز فيها العرض كاملاً لإحدى القرى, فقد كان مختار القرية يأتي ويقف أمام باب السينما ويدخل رعاياه بعد التأكد من وجوههم واحداً واحداً , وكنا نحاول الدخول ونحن نرتدي الجلابيات كي نشبه أهالي القرية، ولكن هيهات , فالمختار اللعين كان يكشف أشكالنا و يميزها عن رعاياه ويطردنا بعد أن يناولنا ماتيسر من صفعات وركلات وبصقات , وكان المختار لايسمح بعرض الفيلم حتى يكتمل نصاب رعاياه الذين يتأخر بعضهم بسبب قدومهم سيراً على الأقدام , أما الذين يأتون بالشاحنات، فهم يصلون في موعدهم، و يصل بعدهم القادمون في العربات التي تجرّها البغال أو الحمير و كذلك الذين يمتطون الحمير شخصياً ، و يصبح شارع السينما مرآباً لسيارات البيك آب و العربات و البغال و الحمير، ويكون أمر حراستها مناطاً بعمال السينما الذين يعيشون على أعصابهم حتى نهاية الفيلم خوفاً من هرب حمار ما أو سرقته ، أما المختار، فيخرج دفتره، و يبدأ بتفقد رعاياه الجالسين على المدرجات فيذيع الاسم، ويرد عليه صاحب الاسم فخوراً وهو يرفع يده "حاضر" ..ثم يبدأ الفيلم القروي.


ومع كل فيلم تبدأ رحلة حمادة في النجومية، فهو شبيه البطل ، أي أنه بطلنا المتوفر ، فإذا كان الفيلم عاطفياً، فهو نجم الفتيات و مثل المراهقين الاعلى في الملابس و التسريحة ،و إذا كان فيلماً من أفلام الكاراتيه، فهو بطلنا نحن الرعاع . كانت رسائل الإعجاب تصله من تحت باب بيته و هي معطرة و عليها ختم بأحمر الشفاه و توقيع واحد موحد هو ( المتيمة المجهولة و العاشقة الخفية ) ، بينما كنا نعبر عن إعجابنا به بالركض خلفه و نحن نصرخ ( حمادة حمادة )، فينفش ريشه، ويمشي متبختراً إلى أن يضجر منا، فيضطر إلى تجريب عدة حركات من الكاراتيه في أجسادنا الصغيرة، فنتفرق حزانى مما فعله بنا بطلنا المحبوب الذي كنا نشجعه مع كل قبلة لعبد الحليم حافظ على شفاه ميرفت امين و نحن نصرخ ( طيبة حمادة ) كأنه هو الذي يقبّلها، و كنا نعد القبل في فيلم" ابي فوق الشجرة" بصوت واحد عالٍ جداً : واحد .. اثنان .. خمسة و عشرين .. تسعة و تسعين .. حتى ضاقت العائلات ذرعاً بنا، فاضطر يوسف إلى قص اكثر من خمسين قبلة تجنباً للفوضى، ولكن الجمهور اكتشف الخديعة، وطالب الرعاع منهم بثمن تذاكرهم مهددين بتكسير السينما و تخريبها، فرضخ يوسف لضغط الجمهور، وأعاد القبل المقصوصة في اليوم التالي وسط صوت الجمهور الهادر .. مائة و عشرة ..مائة و خمسة عشر .. إلخ من قبل ابي فوق الشجرة .


مضى زمن طويل قبل ان اعود إلى سينما الدرباسية لأجدها مهجورة ، يوسف الآمر الناهي يبحث عن عمل جديد دون جدوى ، و حمادة نجم النجوم يعمل عتالاً في ( الميرا ) ، بعد أن انقطعت الرسائل عنه و اضحى مروره في أي شارع عادياً و غير لافت لأي انتباه . مضى الزمن و لم يبقَ من السينما سوى شاشتها البيضاء المحتفظة بثقوب أحدثتها الرصاصات التي أطلقت على محمود المليجي في آخر عرض قدمته سينما الزهراء قبل ان تغلق ابوابها نهائياً و تصدم عشاقها بما يشبه الصدمة العاطفية ، و خاصة المزارع " بشارو " الذي كان يشتري لكل فيلم دفتراً كاملاً من البطاقات ليوزعها على المفلسين من محبي السينما ، و كان بشارو ينزعج عندما يتلقى بطل الفيلم أية ضربة أو لكمة من أعدائه و يخرج من السينما حرداناً و هو يقول : لقد أفسدتم الفيلم ، فيلحق به حمادة مؤكداً أن البطل سينتصر في النهاية، لكن دون جدوى.


أما بائع الشعيبيّّات تلك الحلوى اللذيذة " نهيتّو "، فكان مصدوماً هو الآخر ، كان عاشقاً متيّماً بـ " شامي كابور "، و كنّا نتملقه، و نقول له : " ياوو نهيتّو .. صوتك أجمل من صوت شامي كابور و أنت أكثر وسامةً منه أصلاً " ، فيوزّع الحلوى علينا مجاناً بحركة سينمائية شاميكابورية خالصة .


مضى زمن طويل قبل ان اقف أمام الشاشة العظيمة المنهكة وانا أسترجع خروجنا و نحن نبكي بعد الفيلم العاطفي ، أو و نحن نتعارك بعد فيلم الكاراتيه .


مضى زمن طويل قبل ان نعرف أن عشرات الأشخاص من القرى التركية بترت اقدامهم و هم يجتازون حقول الالغام الحدودية من اجل حضور فيلم لشامي كابور ، مضى زمن طويل قبل أن ادير ظهري لشاشة البهجة التي مازالت ارواح الأبطال الأشرار تئن داخلها بسبب آلاف الطلقات التي اخترقت اجسادها ، مضى زمن طويل و مازال أهالي الدرباسية مختلفين هل كان إسمها سينما فؤاد ام سينما الزهراء.